قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

الحبيب الأولي

on الأحد، 13 فبراير 2011



قرر أن يرسل لها اعتذراً ..... بعد أن قرر أنهاء العلاقة الميتة بينهما ..... لم تكن علاقة سطحية ... بل هي علاقة امتدت لأكثر من عشر سنوات ...... تعارفا منذ أن كانا في المرحلة المتوسطة ....... وكأيّ شخصين يتعارفا في مرحلة الطيش والطفولة وبواكر نقطة المراهقة ...... لتمضي أيام وتلوها سنين ..... وهو يشعر بمن أثمرت في حياته وردة حمراء ..... يمسي ويصبح بها ..... مرت الأيام بطيئة جداً وهو يحاول أن يطلعها بأمره ..... بأمر كان يخشى عواقبه ..... ويتخوف من ردة فعلها ...... أنتظرها ذات يوم ..... وطول اليوم ...... لكنها لم تكن موجودة وقتها ......... حاول ان ينساها، و مع كل دقيقة تمر .... أخذ يدعي ربه أن يظل صامدا .... وصابراً .... وقوياً .... وبعض الحين يعود بجنونه حينما يلمح طيفها... فيرجو ربه أن تكون في صالحه ....، أن تكون معيناً له على النسيان ولكنها أسفاًً تنحاز لها و تتركه بلا شيء غير ذكراها .... حاول الانشغال وأخذ في البحث عن طريق محركات البحث ( قوقل ) عن صور مضحكة .... مقاطع أكثر أضحاكاً ...... ، وفعلاً نجحت خطته البائسة (مؤقتاً) فقد كان انشغاله سبباً كافياً ليتناساها ॥ وحينما أوشكت الشمس أن تسدل خمارها ..... ويحل الليل بسكينته الموحشة ...... وتدق الساعة التي تحتم عليه أن يخلد لنوم يريحه من شقاء اليوم॥ .. ليستلم ويتمدد في سريره بأرهاق متقطع ... شعر بدبيت النمل الراقص يسري في جسده وبأرتياح خفي يحوم حوله ..... لم تمضي دقيقة إلا وتظهر شيئاَ فشئياً في قصر مخيلته ...... بدأت تظهر أكثر وأكثر ..... حتى رأها .... بكامل صورتها .....المتخيلة .....فتبتل عيناه المغمضتان .... لتعلن عن ما يسكن في داخله من أحساس خاص ....... وتسقط معها دمعة شوق ... وألمـ ... في نفس الوقت !!

تمر الشهور ..... والأيام .... والسويعات ...... وهو في محاولة مستمرة لينساها ..... وتدريجياً بدأت محاولاته ترى بصيص نور الباهت .... كجثة سطحت فوق سطح البحر الميت ..... حاول وبدأ.... يستعيد نشاطه وحيويته وبدأ شبحها يتواري عن سطح أفكاره ليحتل مكان أخر غير المكان الأول।

شيئاَ فشيئاَ .... وجد نفسه بخير .... وبدأ يستعيد حيويته ... إلا ان كان في قلبه ما زال هناك مكان يخفق بصمت لذكراها ..... بعد أن بدأت تصبغت بها ألواناً جديدة للحياة بعد خيم بسقفها السواد .. أصبح قلبه حياً من جديد .... بل أصبح له حياة بعد أن دفن ماضيه ...... و بعد أن سكنته هي سنوات عديدة وحان موعد ترتيب حياته .... المستقبلية .... حان الوقت أن يفتح قلبه وعينيه وجميع جوارحه ... لغيرها .....لمن تناديه بصمت وبدمعه تسلم عليه .... كل مساء ...." سحر " أبنه خالته الوحيدة والمدللة بحب الكل إلا حبه ....!!
قرر قراره هذا وكأن للأقدار قرار أخر ...... فقد استوقفته " سحر " بصمتها وبغموضها .... الغريب .... شعر بقلبه ينبض معها من جديد وأن كان هناك خافق مازال ينبض كمن يتحرى الموت قبل ميعاده ...... شعر وكأنها احتلت جوار الأولى ...... وأن أصبح له مكانين في قلبه ....وبدأت المقارنات تعقد في محكمة قلبه بألم.... وبصراخ وضجيج .... لينتهي به المطاف بتجميد حالهن .... لحينه ...!!
مضت شهور ....قليلة ... ليلاحظ كل من حوله بتغيراته المغايرة لحاله السابق ....و بدأت حياته تتغير تدريجياً..... في خصام داخل كيانه السابق ......حتى بدأت مشاعره تجاه " سحر " تأخذ شكلاً أكثر جدية .. قرر أن ينسى ما مضى , ان يمضي قدما للزواج منها ...... أسعدته هذه الفكرة .. فها هو قد تخلص من عقدته الأبدية .. من حبه الأول!!!

وفي تلك الليلة ...... والكل في انتظارهما ..... وهو في غمرة استعداده لإتمام حفل زفافه ...... قرر أن يغير كل شيء في منزله ...... أن يجعل البياض أول أولوياته .... والأحمر أخر اهتماماته ..... كان ينوي أن ينسى حقاً كل شيء يذكره بالماضي ॥ بدأ يتحرك والكل يتابعه بنظرات تفاؤل ...... في أن يصبح إنساناً جديداً متحرراً من جميع قيوده القديمة !!

وفي تلك الليلة وفي بداية مطلعها .... خطر له أن يتعطر بعطره القوي .... فأخذ يبحث عن مكنوناته .... عن علبة زجاجية .... أخبأها في مكان خاص به ... يدفن فيه أغلى أسراره .... و فجأة سقط من بين يديه دفتر بناتي صغير .... ॥ دفتر يحمل رائحة يحبها بل رائحة يعشقها !!!!

استرقت أنامله بعض من صفحاته بخوف لتسقط وردة ذات اللون القاني .... أحمر اللون خالطه شيء من السود ... وأن كانت ما تزال تحتفظ بداخل اوراقها جزء من لونها الأحمر النقي ... وسقطت عيناه على أحدى أسطرها .... كانت توصل كل مشاعرها ..... وأحاسيسها الرقيقة .... لتعقده بحب وسط خطوط أسطرها الرمادية ..... كتبت له قصيدة ॥ عبرت بإيجاز عن حبها ... وفائها .. تضحياتها !!!

كان لقصيدتها ..... خط رحلة .... رحلة عودة لها ..... إلى حياته من جديد بدون تذاكر ولا أمتعة .... رحلة خفية .... أعادت لقلبه شعوراً لم يكن يستوعبه .... فتسارع نبضه ... وأشتد خافقه الضعيف بألم في جنبه ...... أنها .... هي ...... حبيبته الأولى وقد تكون الوحيدة عادت من جديد!
قرأ ما بين السطور .... قرأ الدفتر .. صفحة تلو الأخرى .. عاش مع ضحكاتها .. دمعتها .. وهيامها ... ألمها .... وحبها الصادق !!
شعر بقلبه قد استفاق من غيبوبته ...... بعد أن ظن أن الأقدار حكمت عليه بالموت .. بعد أن ظن أن الأوان قد حان ليدفن الماضي .. و ينسى من كانت تقاسم روحه .. ينسى من عاش معها أصدق و أحلى أيام حياته .. مع زوجته التي فارقت الحياة !!
مضى الليل وهو يعيد قراءة دفترها الصغير .... ضاكاً وباكياً بامتزاج .... وهو يردد :

قالو لو حبيبك توفي قلت (بالقبر اخاويه) وأكتب على قبري خلن عن (خليله ماتخلى)....
حتى خلد إلى النوم تأركا دمعته دليلا كافياً ...لتتركه "سحر" بعد ان وضعت خاتمها الذهبي فوق دفترها .....!!

( ..... تمت ......)